القرآن كلام معجز ويتجلى ذلك في دقة اختيار الله سبحانه وتعالى للألفاظ العربية لتكون أنسب في سياقها من أي ألفاظ أخرى وفي ذلك ما يقوي إيمان المؤمن ويزلزل شبهات الكفرة والمنافقين فيهدمها من أصولها فتغدو تراباً تذروه الرياح..
وقد تأمل علماء التفسير في سر اختيار الله عزوجل لفظ “امرأة” لينعت به زوجتي نوح ولوط عليهما السلام، رغم أنه قد وصف زوجات باقي الأنبياء بلفظ “زوج”.. كما قال تعالى.. “ادخل أنت وزوجك الجنة” عندما أمر آدم عليه السلام وكقوله.. “النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم” وغير ذلك من الآيات القرآنية..
وقد ذكر بن القيم في تفسيره القيم عن السهيلي وغيره.. أنه فسر ذلك بأن امرأتي نوح ولوط ليستا بزوجتين لهن في الآخرة، وذلك لأن التزويج حلية شرعية، وهو من أمر الدين، فجرد الكافرة منه..
لكن هنا تأتي تلك الآية لتعارض ذلك الرأي ظاهرياً.. كقول زكريا في دعائه “وكانت امرأتي عاقراً” وكقول الله تعالى عن إبراهيم عليه السلام “فأقلبت امرأته في صرة” فأجاب السهيلي عن ذلك.. بأن ذكر المرأة أليق في هذه المواضع لأنه في سياق ذكر الحمل والولادة، فذكر لفظ المرأة أولى به، لأن صفتي الحمل والولادة من مقتضيات الأنوثة وليستا من مقتضيات الزوجية، فقد ولدت مريم العذراء بصفتها امرأة أي أنثى وليست بصفتها زوجة..
ورأي آخر يقول أن لفظ الزوجية يدل على الاقتران والمجانسة والمشاكلة من حيث أن الزوجين هما الشيئان المتشابهان المتشاكلان والمتساويان، نحو قوله تعالى.. “احشروا الذين ظلموا وأزواجهم” قال عمر بن الخطاب .. “أزواجهم: أشباههم ونظراؤهم
ونحو قوله تعالى “وإذا النفوس زوجت” أي قرن بين كل شكل وشكله في النعيم والعذاب، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه مفسراً لها “الصالح مع الصالح في الجنة، والفاجر مع الفاجر في النار”، فأنفس المؤمنين تتزوج بالحور العين، وأنفس الكافرين تتزوج الشياطين..
وكقوله تعالى .. “ثمانية أزواج..” في سورة الأنعام وفسرها بقوله:”من الضأن اثنين ومن المعز اثنين، ومن البقر اثنين، ومن الإبل اثنين..” فجعل الزوجين هما الفردان من نوع واحد، كقول العرب: “زوجا خف، وزوجا حمام” ونحوه، وقد قطع الله المشابهة و المشاكلة بين الكفار والمؤمنين فلم يذكر أن الكافرة زوج للمسلم لانقطاع شرط الاقتران الديني بين الكافر والمؤمن، فقد قال تعالى.. “لايستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة..” وقوله تعالى في حق مؤمن أهل الكتاب وكافرهم.. “ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة.. ” فقد قطع الله سبحانه وتعالى المقارنة بينهما في أحكام الدنيا، فلايتوارثان ولا يتناكحان، ولا يتولى أحدهما صاحبه، وبانقطاع الصلة بينهما في المعنى انقطعت أيضاً في الاسم، فأضاف فيهما “المرأة” بلفظ الأنوثة المجرد دون لفظ المشاكلة والمشاهبة “الزوج”، وكما أطلق على صاحبة أبي لهب لفظ “المرأة” كما قال تعالى: “وامرأته حمالة الحطب” فلم يقل “زوجة” لفساد أنكحة الكفار وعدم صحتها بخلاف أنكحة أهل الإسلام.
وكما هو واضح تجد أن ألفاظ القرآن ومعانيه متطابقة مع عقيدة الإسلام الصحيحة، فلا اختلاف بين العقيدة ومصطلحاتها الربانية التي هي من لدن حكيم عليم، بعكس كل العقائد الوضعية والأديان البشرية الوثنية الطاغوتية والتي تجد بها من التناقضات ما لا يعد ولا يحصى، بداية من أيدولوجياتها الخبيثة ومصطلحاتها الخداعة الزائفة، التي تظهرعكس ما لا تخفي من فساد كبير وشر مستطير، هكذا هي العقيدة الربانية الواحدة باختلاف شرائعها ومناهجها، وعقائد البشر مختلفة الأصول مشتتة الفروع فلا تكاد تجمع بين فردين حتى يفترقا على صراع واختلاف ونشوء عقائد أخرى تقضي على العقائد الأولى، وهكذا لاتكاد عقيدة بشرية وضعية تسلم من تغيير وتبديل، حتى عقيدة الإسلام لم تسلم من ذلك، حتى جاء النبي محمد صلى الله عليه وسلم فتكفل الله بحفظ عقيدته وشريعته إلى يوم الدين، وجعل الخلاف والاختلاف عليها لايكاد يبقى ردحاً من الزمن حتى يأتي من يقضي عليه بالأدلة الساطعة والبراهين القاطعة ليبقى دين الإسلام وتفنى ما سواه من أديان..
والحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه على نعمة الإسلام، وصلاة وسلاماً على رسوله محمد خاتم الأنبياء والمرسلين ورحمة العالمين وعلى آله وصحبه وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين

