دجال الأعمال.. تمهيد نحو مفاهيم جديدة أكثر تنويراً

0


من أكبر الجرائم الأخلاقية في حق الإنسانية أن تتلاعب بحاجات الضعفاء وتتاجر بأحلام البسطاء وتبذر بذور الأمل الزائفة في نفوس المحبطين البائسين..
إن الفتنة مفهوم يكاد يتسع حتى يشمل الفذ الواحد يتبعه همج رعاع نعاق يغترون بالأضواء من حوله يلوحون بأيديهم كالحمقى لتشفق عليهم عدسة الكاميرا بلقطة يتباهون بها بين ذويهم وينسجون خيالات قصصية بديعة تشبع نقصاً كامناً في نفوسهم.
هناك الكثير من اللاعبين المحترفين يلعبون على أرض الوطن الخضراء يجتثوا ما أثمرت شجارها من طيب الثمرات ويبذرون بذوراً شيطانية لا تنبت إلا نكداً..
وعلى مدار تلك المقالات التي أعزم على كتابتها بإيجاز غير مخل منتهجاً نهج التلميح حيناً والتصريح تارة، لأبين للناس ما يجري حولهم من فعال الدجل والخباثة..
الدجل ياسادة يا كرام ليس هو الشيخ أبو طرطور منجم وهلال متدلي من فوقه يعزم على أبخرة تحترق بموقد فخاري مفحم، ويتجاذب أطراف الحديث الغامضة مع خدامه العفاريت يطلب عونهم ويعاهدهم على فعل الخير والشر..
الدجل مفهوم أوسع من ذلك بكثير..
الدجل فلسفة حياة يعيش عليها أولئك المترفون الذين يبتغون التربح بسهولة ويسر من كل مكان ولكنهم يجيدون اللعب على ذوي الاحتياجات وليس على أمثالهم من الدجالين المحترفين..
يمكننا أن نحرف مصطلح رجال الأعمال بغض النظر عن الشرفاء منهم إلى مصطلح آخر وهو "دجال الأعمال" ويمكننا أن نعرفه أيضاً بأنه المحتال الذي يتقن فن الاحتيال واسع المدى..
إنه يبحث عن أبسط وأعقد احتياجات البشر ولاأخفيك سراً أنه لا ينوي تلبية احتياجاتهم الأساسية وإلا فأكون كاذباً، إنه رجل يبحث عن السهل، واحتياجات البشر الأساسية تحتاج إلى كد واجتهاد والعامل على تلبيتها من أشرف أنواع رجال الأعمال لأنه يربح القليل من أجل الكثير..
دجال الأعمال ياسادة يا كرام يبحث عن احتياجات البشر الثانوية تحت شعار الرفاهية ويختلق بضائع مبهرجة بزينات تتلألأ كالجواهر والماسات تبهر الأبصار وتجتث القلوب من ضلوعها ويقبل الناس عليها إقبالاً ولو على حساب حاجاتهم الأساسية كالطعام والشراب..
إنه يعرض سلع الغرائز والشهوات والشبهات أيضاً ويستهدف بها البسطاء بينما يتعاون معه أمثاله في تلبية احتياجات أخرى تافهة يتربحون بها الكثير بإنفاق القليل..
فالمخدرات والسلاح والآثار ليست سوى بضاعة تافهة في سوق الدجل الواسع قد يتحدث عنها المساكين بشيء من الانبهار كأنها هي الوسيلة الوحيدة للتربح الواسع والثراء الفاحش، إنما تلك التجارات ليست سوى ضربة الحظ التي يقفز منها الدجال الصغير وينطلق إلى آفاق أوسع في عالم زائف بلا حدود.
نبيل المواطن الكاذب المخادع اسمه ليس على مسمى بدأ طريقه بالتعرف على روحاني يتعاطى السحر استطاعا سوياً أن يكونا فريقاً صغيراً من العاملين سرعان ما استبدلوه بفريق آخر يحفر في أرض صحراوية نائية بحدود المدينة التي عاصرت حقبة زمنية من حقب الفراعنة حتى أوهما الفريق الأخير من العمال أن الأرض ليس بها شيء فينصرفوا خائبين، ثم يبيتا ليلتهما محتفلين مشتاقين إلى قمر الغد حتى يظلم الظلام ويستأنفا العمل بأيديهما..
وضربة الحظ حان موعدها الآن.. وانفتحت المقبرة على مصراعيها وأخذا يعملان بجد واجتهاد حتى استخرجا كنزهما، وارتقيا درجات المقبرة وجعلوا يخزنون التماثيل والذهب والتوابيت الفرعونية الفاخرة وغير ذلك من لوازم الملك الفرعوني المدفون التي تباع بأثمن الأثمان..
ثروة طائلة تحار في عدها الأذهان، تكفي العمر وبعد العمر وأجيالاً تتوارثها إلى حين، ولكن كيف يجيبون على سؤال القانون المرقع: من أين لك هذا؟!
هنا يأتي الدور على دجال الشراء وهو الذي يستطيع تأمين أصحاب الكنز وتخطيط النفقات لهما وكيفية الصعود على سلم الثراء الفاحش بشكل سليم لاريب فيه، حتى تتم عملية غسل المال وتطهيره وتجفيفه ونشره على أحبال الغسيل فيغدو نظيفاً طيب الرائحة لا بقعة فيه..
ثم تجري الخبرة في مجراها الطبيعي ويتعلم كل منهما كيف ينفقون المال ليتضاعف أضعافاً مضاعفة بأقل وقت وجهد، ودون المخاطرة أو المقامرة، فقط باللعب على الكارت الرابح دون خسران..
لأن الكثير يأتي بالكثير والقليل لا يأتي إلا بالقليل، ولكن هنا في عالم الدجل القليل من الجهد والتعب يأتي بالكثير من المال وتنعكس القواعد حيث شاء رب الدجل في ذلك العالم أن يمطر السماء وينبت الأرض في وقت جدب وقحط ليفتن من شاء الله أن يكفر ولاينجو منه إلا القليل..
هنا في ذلك العالم الذي نعيشه الكثير يأتي بالقليل..
الكثير من العمال الكادحين البائسين لا يحصلون إلا على القليل من الأجور لا تكفي لتلبية مطالبهم أو الحصول على أبسط حقوقهم في حياة كريمة..
القليل من الدجالين المترفين يبذلون أقل مجهود بينما يحصلون على الكثير الكثير من الأجور تكفي دولاً بشعوبها دون مبالغة أو إفراط في التعبير..
ما السر خلف كل هذا؟!
وهل يستطيع البسطاء أن ينازعونهم الأمر بإعلاء الصوت بعقائد تسلط الضوء على تحجيم ثرواتهم أو أخذها غصباً كما هو الحال في الشيوعية ووليدتها الاشتراكية وينقلب الصراع إلى صراع مبادئ بدلاً من أن تتخذ الأمور مسارها الصحيح ويصل الطرفان إلى حب الرحمة والعدل فضلاً عن النزاع الذي لايؤدي إلا إلى صراع قوى وحتماً يمكن أن يكون البقاء للأقوى وقليل ما يتمكن الأضعف والتاريخ له جولات في ذلك المضمار فليرجع إليه من شاء..
أما نحن فنتحدث عن الجذور والأصول والقواعد والأسس..
لا يهمنا كثيراً الخوض في جدالات جوفاء حول الحل والتحريم للوسيلة التي ارتفع بها دجال الأعمال إلى مرتبته، كما لا يعنينا أن نقنعه بالتنازل عن ضربة حظه في الحياة الدنيا وتهديد فرحته القارونية بحزن خسف أرضي يباغته حين غفلة..
إنما يعنينا كثيراً أن نضع قلمنا على رقاب هؤلاء الدجاجلة فإن أقدامهم لا تطيق الدوس على أرض رملية، إنهم يدوسون على أرض صلبة تتكون من شهوات البسطاء وتطلعاتهم إلى القوة والرفاهية الزائفة والقرب الفخري من أرباب السلطة والنفوذ، فالمسكين الفقير ليس في حاجة إلى ذلك الهاتف المحمول باهظ الثمن إنما شهوته للفخر والتعالي على قرنائه جعلت من رأسه أرضاً صلبة لدجال الأعمال الذي يبيع له تلك البضاعة التافهة بأغلى الأثمان..
إنما لو استطعنا ترميل تلك الأراضي الخصبة وتوعيتها بأصول ذلك العالم وكيف هم باقين على فقرهم بينما تتعالى فوق رؤوسهم أقداماً يمكن أن تحطمها تحطيماً وقتما يحلو لها، وأن وهم الرفاهية ماهو إلا خطوة نحو الفقر المدقع والمصير المظلم..
يمكننا حينئذ أن نتوصل إلى نتيجة قد تكون من القوة بمكان في تبديل مستقبل ذلك العالم، ونحو الهدف الحقيقي للحياة الإنسانية وهو عبادة الله بالعمل الدنيوي بمنهج ديني معتدل يضفي على الحياة بهجة الغاية النبيلة والسعي نحو إرضاء الله الذي بيده الحقيقة الأبدية دون زيف أو خداع..
الموضوع يطول وللحديث بقية..
إلى اللقاء،،

Tags

إرسال تعليق

0تعليقات
* Please Don't Spam Here. All the Comments are Reviewed by Admin.

رأيك مهم لذا لا تبخل بترك تعليقك

رأيك مهم لذا لا تبخل بترك تعليقك

إرسال تعليق (0)

#buttons=(Accept !) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Learn More
Accept !
To Top