عندما أختلي بنفسي في منزلي تراودني بعض الأفكار والأحلام التي قد تراود كل إنسان، تطارده في يقظته ومنامه.. هي في الحقيقة ليست أحلاماً وردية بل هي صراعات نفسية تنازعه أنفاسه وتفزع نبضات قلبه إن هو لم يستجب لإلحاحها، وطلباتها المستمرة..
عندما تتحول المعاصي إلى أحلام وأمنيات ونوازع نفسية نحو كل ما من شأنه أن يغضب الله تعالى، وعندما يصبح المعروف منكراً والمنكر معروفاً..
عندما تمتلئ أذهاننا في صلواتنا أمام ملك الملوك سبحانه، بأفكار تراودنا حول الدنيا وهمومها، وأشواقنا لمن نحبه، وذكرياتنا وتطلعاتنا للمستقبل القريب والبعيد، حيث تصبح الركعات مجرد حركات جسدية دون قلب خاشع لمن نركع له ونسجد..
عندما يكون قربنا لله ودعاءنا له.. "اللهم زوجني بمن أحب"، "اللهم اجمعني بمن أزني معه وأعصيك معه".. "اللهم حول حياتنا الحرام إلى حلال"..
ودعائنا لأبنائنا "روح جتك داهية" ، "إلهي يارب يطسك بقطر سواقه أعمى"، "ياض يابن... إلهي وإنت جاهي يخصك بمصيبة" وهكذا..
وحدث ولا حرج عن السخرية من الله .. "يارب.. أنا عارف بقى"، "كلنا حمير ربنا"، "لم علينا عبيدك يارب".. وهكذا دواليك.
وفي الغناء تجد الفاجر أو الفاجرة لا يستحون من نطق لفظ الجلالة والتغني به مع صخب المعازف ورقص الراقصات وتلوي الأجساد، سبحان الله وتعالى عما يقولون ويفعلون..
إيقاع حياتنا مع الأهل والصحاب، والأزواج والأبناء، مع الأقارب والحبائب، يتسم بالسرعة والضجيج، يحول دون نقاء أذهاننا وسلامة قلوبنا..
مجادلات ومناقشات ومنافسات وصراعات وانتصار للأنفس والافكار والعقائد وتحديات لإثبات الذات وتحديات للسيطرة والاستحواذ على المال والأهل والممتلكات بحق أو بغير وجه حق، كأننا نسعى للخلود والبقاء الأبدي..
مجادلات ومناقشات ومنافسات وصراعات وانتصار للأنفس والافكار والعقائد وتحديات لإثبات الذات وتحديات للسيطرة والاستحواذ على المال والأهل والممتلكات بحق أو بغير وجه حق، كأننا نسعى للخلود والبقاء الأبدي..
فنكذب لنعبر إلى بر الأمان الزائف، ونزني لنخفف وطأة إلحاح الغرائز، وليفخر الذكر بذكورته ولتفخر الأنثى بأنوثتها، ونتزوج لنباهي الخلق بما يتباهون به، لا لكي نربي جيلاً يترعرع في أحضان الدين وينصر كلمة الله، ونصلي لنرائي أو لنراضي أو لنسكت تأنيبات الضمير، وزعقات الخطباء الدعاة إلى الله.
نداهن ذوي السلطة والنفوذ ونخشع أمامهم وقوفاً، نلتمس منهم الرضا عساهم يمنحون لنا بعض الاهتمام والمحبة، أو حفنة من المال مصكوكة بغفرانهم لذنوبنا وتقصيرنا..
نصارع الأنفس.. نصارع خبايا تلح على كل منا، فالجبان يخشى كل شيء حتى أنه يسير في الطرقات يخشى القطط والكلاب، فما بالك لو أمرته بأن يقول كلمة حق في وجه سلطان جائر..
نصارع لنمتلك فإن وجدنا زاهداً عايبناه وعايرناه كأنه المخطئ الذي لا يدرك معنى المتاع الدنيوي وكيف يعيش الحياة كما ينبغي أن يعيش، ونشرع في إعداد الدروس والمحاضرات للقضاء على الفكر الرجعي الذي يدعوا إلى القناعة والزهد والرضا بما قسمه الله وليبارك في أموالنا وأولادنا بسلاح الرضا عن كل ما يهب وشكره إذا أخذ..
نتحدث عن الملك والخلود والتاريخ والحضارة وكأننا أصحاب الأرض، وصانعي الخلق، ومنظمي الكون..
نتحدث عن الحب وكأننا نمسك القلب ونحصي النبض ونتحكم في سرعته وبطئه..
أصبحت نفوسنا ترتع وتلعب دون خشية أو وجل، نتباهى بالمنكر وننكر المعروف، ونخرس أصوات الحق بالبطش الشديد والتعذيب الوحشي، كأننا نحيا في غابة كبيرة..
نحن أسرى الخطايا..
كلما قعد أحدنا يتأمل نفسه وأفعاله وتنعكس أمامه صورته بمرآة جلية سيجد أنه قد غرق في دوامة عاتية من الذنوب التي لا يستطيع لها منعاً، كأن حياته ستتوقف إن كف عنها..
فلابد من الكذب أثناء تعامله مع الناس..
ولابد أن يغش لينجح في تجارته..
ولابد أن يزني ليرضي غريزته..
ولابد أن ينهر الأطفال ليرضي كبره..
ولابد أن يعظم ذوي النفوذ ليأمن بطشهم..
ولابد أن يحتقر المساكين لكي لا يكون مثلهم..
لابد أن يترك الصلاة لكي لا تفوته النقود..
ولابد أن يترك الصيام لكي يشرب سجائره..
ويترك القرآن لكي لا يضيع وقته..
ولا يستمعه لأنه لا يفهم منه شيئأ..
ولا يحفظه لأن عقله قد امتلئ بأولويات لا ينبغي أن ينساها..
لقد امتلأت الأوقات بالمعاصي حتى أننا عندما نبحث عن ساعة للطاعة..
فلا نجد..
كيف نحيا بلا معاصي؟!
وأنى لقلوب ماتت أن تحيا؟!
وأنى لعادات أدمنتها نفوسنا أن نقلع عنها؟!
ومن المسئول عن تحويل حياتنا إلى تلك الصورة؟!
وهل عقائدنا تأثرت من فرط المعاصي؟!
هل إيماننا يمكن ان يتحول إلى كفر إذا استمرت حياتنا بتلك الطريقة؟!
هل تستطيع أن تكتب تلك الأسئلة في ورقة؟!
هل تستطيع أن تجيب عليها بصدق؟!
وإن أجبت .. فهل تجد نفسك تستطيع أن تحيا بلا معاصي؟!
هل تدري شيئا عن المعاصي التي ترتكبها؟!
للأسف.. مهما بحثت وقلبت أوراقك فلن تجد آثامك ولا معاصيك!!
إنها حجبت عنك .. لأنك مارستها بمنتهى الرضا والاقتناع بأنها حلال وجائزة ومباحة في أدنى درجاتها.
إن الفتنة قد عظمت، وأطلت علينا بشيوخ وأدمغة أحلت لنا كل شيء لتخفف وطئة التهم الموجهة للإسلام..
انهزامنا ليس عسكرياً..
بل نفسياً..
وقد أوضح الرسول صلى الله عليه وسلم لنا ذلك في كلمته الخالدة "حب الدنيا وكراهية الموت" عندما سئل عن سبب كثرة المسلمين وضعفهم أمام الأمم..
هكذا أصبحنا..
ولم نكن من قبل كذلك..
لابد أنك سعيد أيها الإبليس..
بانتصاراتك وبما حققت علومك وخبراتك الفذة بنفوس البشر وما عانيته في سبيل تحقيق وعدك "ولأضلنهم"..
هل نستطيع أن نحيا بلا معاصي؟!
هل؟!
رأيك مهم لذا لا تبخل بترك تعليقك