الطبلة وشكلها العجيب فهي أشبه ما تكون برحم
المرأة وحوضها، وقد درج الناس على استخدامها كرمز للعلاقة الحميمية بين الرجل
والمرأة، وقد تجسد ذلك الطقس فيما عرف بمهنة الطبال والراقصة، فتبدو الراقصة الفاتنة
الغانية وهي في ذروة تبرجها وقد كشفت عن ساقيها وخصرها ونحرها وشعرها ووجهها، ثم
ننزل مرة أخرى إلى أقدامها وقد أحاطتهما بأغلال أو خلخال، وتشرع في إعادة تمثيل
أدائها على سرر الزنا وهي واقفة، لتشبع خيالات الذكور من حولها وتخصب خيالهم
المفتون بتلوي جسدها البض كأفعى تتلوى على
نغمات ناي مدربها الحاوي..
ولطالما ظلت الطبلة هي الأداة التي تشجع
الغانية على ممارسة تلويها المجنون وارتجاف جسدها العاري أمام أعين الناظرين،
فارتبطت الطبلة بالراقصة وأصبح الطبال هو رمز الدياثة.. فاقد الرجولة الذي رضي على
نفسه أن يصبح قواداً رمزياً يهدي لبني جنسه المتعة بأزهد الأسعار..
وأنشدواً: إذا كان رب البيت بالدف ضارب ..
فشيمة أهل البيت كلهم الرقص
ولطالما رأينا وسمعنا كم من ضارب للدف والطبل
علم أهله الرقص والإغواء وممارسة البغاء بكل صوره وأشكاله وأنواعه..
قهر الرجال هو شيمة هذا العصر الذي نحيا فيه،
ولطالما تتردد على مسامعنا قصص كيد الأنثى العظيم، وضعف الرجال أمام إغواء الأنثى،
وقصائد الفخر وأشعار المدح في أجسادهن، الأمر الذي رسخ في أعماق كل امرأة من
النساء فخراً بالغواية وشوقاً إلى ممارسة الزنا، وتلهفاً للعهر والعري والخنا،
للقضاء على قيود الرجولة والتحرر من العفة المفروضة، والعودة إلى عصور تجارة
الأجساد وممارسة البغاء بكل صوره وأشكاله، حيث أصبح الزواج مملاً، من ناحية أنه
يعتبر نظاماً ظالماً، يضيع على المرء المتعة اللامتناهية، فالمتعة تقتضي التغيير،
أما أن تصبح المرأة لرجل واحد بكل عيوبه ومميزاته فالملل حليف التكرار والاستمرار،
ولا حاجة لنا بذلك النظام الفاشل الفاسد الذي يسمونه "زواج".
فابتدعوا الحب والمخادنة، والبحث عن العشاق
صغار السن، وها هي النسوة ترى فيهن ذوات الثلاثة والأربعة والخمسة عقود، وتبحث عن
صغار السن من الشباب اليافعين على وسائل التواصل الاجتماعي، أو زملاء العمل، أو
عشاق بناتهن الصغار، أو أزواجهن، حتى اختلط الأمر بين الناس، وصارت التهم تقذف من
كل جانب كشهب ثاقبة بين الجنسين..
فالرجل يتهم المرأة بالميل الفطري للخيانة
والبحث عن ما يُضعف رجلها ويحقر من شأنه وكأن المرأة كائن خلق ليغار من منافسه
الأزلي وهو الرجل، ويحسده على ما فضله الله به من مميزات جسدية وعقلية.
والمرأة كذلك تتهم الرجل بميله الفطري للنساء
وحبه لهن بدون وازع يقيد حاجته وبدون عدد، فيستطيع أن يعشق الكثير من النساء ويجمع
بينهن في وقت واحد، وقد تناسى كل منا كيف خلق الله الذكر والأنثى وكيف مايز بينهم
في شرائعه التي أنزلها على أنبيائه، وكيف فضل الله بعض الناس على بعض سواء في
الرزق أو النوع أو حتى اللون بل والنبوة أيضاً..
فبأي حجة نتحاسد ونتباغض ونبحث عن المزايا
لنحولها إلى عيوب ومطاعن يقذفها كل منا على الآخر..
خلق الرجل قواماً بالأمر ذي قدرات عضلية
وكمال عقلي ليكون مهيئأ للبحث عن الرزق والسير في الأرض وجمع الناس على كلمة سواء
وقيادتهم ورئاستهم وتملكهم والحكم فيهم بشرعة ومنهاج تتحد عقولهم عليه..
والنساء أرض يحرث فيها الرجال بذور نطفهم
ويحصدون فلذات أكبادهم ويربونهم ويعدونهم ليصبحوا أفراداً يحملون الجديد للأرض
ويعيشون كما كتب لهم ليبقى الإنسان متناسلاً متكاثراً متعارفاً متعلماً مقتاتاً
مسترزقاً ساعياً في الأرض نافعاً أو ضاراً، وكل ميسر لما خلق له..
وهكذا هي الحياة تعتمد على الشمول في نظرتنا
إلى كل شيء، وبالعودة إلى الطبلة والتطبيل فنقول وبالله التوفيق..
إن السياسة بكل بساطة هي كالعلاقة الحميمية
بين الرجل والمرأة، من حيث نجد الجمهور كالأنثى والرئيس أو الحاكم كالذكر، وبقدر
ما يستطيع أن يغلب ذلك الرئيس جمهوره ويبهره بالنفوذ والقوة والدهاء والحكمة وما
لديه من ثقافة وعلم وما أوتي من قوة في الجسم فإن الجمهور يخضع له ويُغلب على
أمره، ويكثر ما تجد قصائد الغزل السياسية التي يلقيها الحاكم لجمهوره ليتلاعب
بعواطفهم، ويستخفهم ويستهوي أفئدتهم فيوحدهم على تمجيده ويدينهم على طاعته،
ويزجرهم على مخالفتهم له ويقتلهم إن تمردوا عليه..
وهنا تظهر أمام كل رئيس وحاكم فئات لابد
منها:-
فئة تقاتل في سبيل الحق فيَقتلون ويُقتلون..
فئة تطبل وتزمر وتصفق وتصفر..
وفئة تؤثر الصمت فتنسحب وتنكص على عقبيها..
ولابد لكل حاكم من تلك الفئات، ويستقيم أمره
أو لا يستقيم بحسب غلبة كل فئة على الأخرى..
وفي تلك المقالة وددت أن أتحدث عن تلك الفئة
التي يروق لي أن أحتفل بها وأسرد بعض النكات اللطيفة عنها، وهي فئة التطبيل..
وفي لغتنا المعاصرة حيث تقوم الحياة السياسية
على نظام الأحزاب فإنني سوف أسمي تلك الفئة بحزب الطبلة..
حزب الطبلة هو الحزب الذي يؤثر السلامة في كل
حال، يفتقد الأمان، ويبحث عن القوة ليرتكن إليها، كما تفزع حواء خائفة فترتمي في
حضن رجل ذي عضلات مفتولة وشارب ممدود وقوام مفرود، لتشعر معه بالأمان..
وهو أيضاً أشبه بالقواد الذي يطرق على الطبلة
لترقص المرأة وتغري الرجال ليفيض المال وينصلح الحال..
وسواء عليك أيها القارئ العزيز أردت أن تصف
حزب الطبلة بأنه رجل أو امرأة، فاعلم أعزك الله أن هناك من الرجال مؤنثين وهناك من
النساء مسترجلين، وقد لُعن كل صنف منهما على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم..
واعلم أيضاً أن كل من يرتضي الظلم ويسكت عنه
ويصفق له طلباً للأمان وتشجيعاً للطغيان، فهو ملعون ملعون ملعون..
وكأنه الظالم يبطش بالضعيف المظلوم ويأكل
ماله ويستحيي عرضه ويغتصب أرضه ويهدر دمه بغير وجه حق..
فالطبال والراقصة والمتفرج كلٌ في الإثم
سواء..
ولا يعيب أحد منهم على الآخر إثمه، لأن كل
منهم متيم بالآخر ومولع به، وسعادته مقترنة به، فلا حاجة لهم لواعظ يقف على المنبر
يصرخ بإنكار أحوالهم، ويدعوهم إلى النجاة، فحتماً لن يطوله منهم سوى السب واللعن
أو التعذيب والقتل.
ولا يجرمنك ما يتشدقون به من إدعاء الفضيلة
وحب الله وأنهم يضمرون إيماناً قوياً في صدورهم، بل وأكثر من ذلك تجدهم أفصح من
خطيب مفوه يعتلي المنابر وأبلغ، ويكأنهم باطنية العصر ارتدوا لباس أهل المجون، في
قلوبهم يعرفون حقيقة الدين ويتأولون كلام الله بأهوائهم.. يتهارجون تهارج الحمر
بين الناس، فحيزت لهم ألسنة الوعاظ وقلوب الشياطين وأفعال البهائم في ثالوث نجس
ملعون يحيون ويموتون عليه..
وتلك الفئة التي نعتها الله بالنفاق وقد صدق
قوله وأعجز وصفه سبحانه، ولخطورتهم على المجتمع أنزل الله فيهم الكثير من الآيات
وقد عدد رسوله محمد صلى الله عليه وسلم الكثير من نعوتهم وبين لنا أحوالهم أتم
بيان، وما في ذلك من حكمة لئلا يلتبس على المسلم دينه ويختلط عليه حاله، فأذاهم
يمتد إلى العرض والأرض، والدم والمال أيضاً فضلا عن ما يحدثونه من أساليب تتغير
عبر الأزمنة والأمكنة حسب سطوة الظلم والفساد فيظهرون ويختبئون وتبقى أصول نفوسهم
المريضة متسربة عبر الجينات تتوارث بين الأجيال فتتشابه القلوب.
حزب الطبلة.. هو الحزب الذي يفرعن الفرعون،
ويمهد له طريق الاستخفاف بالقوم، ويمكن له في الأرض ليجعل أهلها شيعاً فيستضعف
منهم طائفة الحق يقتل رجالهم ويستحيي نساءهم ويكون عالياً من المفسدين..
فكن يا أيها المسلم موسى نصير المستضعفين تكن
كليم الله حيث يناديك بأن تنصر إخوانك المظلومين.. فلاتخش أبداً في الحق لومة
لائم، ولاتسكت عن الظلم طرفة عين..
عش رجلاً حقيقياً، لاتؤنث نفسك وتقف على
الطرف السالب، والطرف الموجب أقوى، فكن قوياً حتى وإن قتلوك، فإننا جميعاً سنموت
لامحالة، ولا أمان في تلك الدنيا طالما قضي الأمر بأن الجميع إلى فناء، فلماذا
تركن إلى أمان زائل؟!
ولا تكن ديوثاً تغريك الخصور، النحور،
والصدور، ويسحرك بريق العيون، فتركع وتسجد تحت أقدام الراقصات، مخمور مخمور مخمور..
وليكن صمتك قوة حين تكون الثرثرة فتنة،
والمراء قد أذهب بألباب القوم، فضاقت صدورهم ذرعاً لينشب القتال ويلحقهم الوبال،
فاسكت وعض على شجرة في فلاة بين أغنام ترعاها واغرس سيفك في الرمال واعبد الله حتى
يأتيك اليقين.
رأيك مهم لذا لا تبخل بترك تعليقك