استكئاب

0


كلنا يعرف الاكتئاب..

تلك الحالة التي تتملكنا إذا اشتد بنا الحزن وألمت بنا اﻵﻻلم وعصفت بنا نوائب الدهر، ولكن أحيانًا ﻻبد لنا من وقفة عند تلك الحالة الفريدة والتي يمكنني أن أصفها بالرائعة، وهي اﻻستكئاب..

إن اشتقاقي للكلمة قد يكون غريبًا، لكنني قد أضفت حرفي الألف والسين كما تضاف للاستكتاب من كتابة، واستخراج من إخراج، وهكذا..

لكن بغض النظر عن القصد اللغوي، إﻻ أنني أردت استجداء اهتمامك أيها القارئ العزيز إلى عمق آخر بداخل كل شخص يهتم بالجوانب العاطفية ذات العمق الغامض بداخل ذواتنا..

الاستكئاب هو حالة عاطفية جياشة رائعة، يعمد فيها اﻹنسان إلى سماع موسيقى حزينة، أو موسيقى لها صدى بداخل العقل الباطن تثير أحاسيس وذكريات قديمة من صفحات الماضي..

أو تجد نفسك أيها الشاعر الجياش فور شمك لعطر ما أو رؤيتك لصورة ما أو ملابس بالية عفا عليها الدهر إذ ينفجر بداخلك فيض عذب من نهر أحاسيس ترتسم على صفحة مياهه أحداث مرت بك، ودمعات رقراقة تنسكب من عينيك ونظرة مستقيمة شاردة بعيدًا عن كل اﻷجواء المحيطة فلا تكاد تسمع أو ترى محيطك الحاضر ﻷنك ببساطة قد سافرت بعيدًا عبر الزمان فكأنك غادرت بجسدك زمانك ومكانك..

إنها حالة فريدة تعمد فيها إلى الشعور باﻻكتئاب بمنتهى إرادتك..

والحقيقة أن روحك تحقق لك ما لم يحققه جسدك..

الملل والإحباط وكثرة الضغوط، أعدائك الذين يجعلونك تختار لنفسك تلك الحالة الشفافة الرائعة التي تعمل بمثابة وقود لروحك حتى تسرع بالسفر إلى الماضي وذكرياته..

مسلسل قديم، أو فيلم قديم.. أو موسيقى حزينة، تثير بداخلك الحنين..

عطر جميل لطالما أحببته في الماضي..

رداء لطالما عشت به ذكريات رائعة..

كل شيء يوقظ في نفسك أحاسيس..

كتاب قديم في مكتبة منزلك، قد اصفرت ورقاته تمسك به وتشم رائحة الزمن بين طيات صفحاته..

لفورك تشعر بالزمان يتقلب أمامك..

تشعر بموجاتك اﻷثيرية تعمل بقوة..

تتصل بكل ما أحببته يومًا..

تستحضر لك لقطات ماتت..

ذكريات غابت..

نواقيس تدق..

أصوات قطار قديم تعلو..

وأفراح الماضي في النوادي..

يحركها الهواء في هدوء الماضي..

كم كان الماضي هادئًا..

رصينًا..

ككل شيخ عجوز وقور..

كم ينبض القلب مع الذكرى..

كم تدمع العين مع الشرود..

ما أروع تلك العاطفة الرائعة..

التي نصنعها بعقولنا..

هربًا من عبء الحاضر..

وتوتر الحداثة..

وتقلبات الدهر..

فرارًا من الملل..

واﻹحباط..

عزيزي القارئ..

إذا خشيت اﻻكتئاب..

فاستكئب..




Tags

إرسال تعليق

0تعليقات
* Please Don't Spam Here. All the Comments are Reviewed by Admin.

رأيك مهم لذا لا تبخل بترك تعليقك

رأيك مهم لذا لا تبخل بترك تعليقك

إرسال تعليق (0)

#buttons=(Accept !) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Learn More
Accept !
To Top