الأسد والقرد - وخلصت الحدوتة

0

تضور الأسد جوعاً، وأخذ يطوف في الغابة بحثاً عن فريسة دسمة يقتنصها ويتغذى عليها دون جدوى.
وبعد عناء وجد القرد يتقافز من شجرة إلى أخرى في سرور ويتناول الموز ويأكله في استمتاع بالغ..
اغتاظ الأسد لما رآه من حال القرد، فكيف يكون هو ملك الغابة يتضور جوعًا، وذلك القرد المهين يرتع ويلعب ويأكل ما لذ وطاب من ثمار الأشجار..
قرر الأسد أن يصطاد القرد ليأكله، وبالفعل تحرك نحوه وأخذ يعدو خلفه دون جدوى، لأنه لا يجيد القفز على الأشجار مثله..
فلجأ إلى حيلة وقد تقهقر إلى نفس المنطقة التي كان يقطن فيها القرد، ليعطيه الأمان فيعود وينقض عليه مرة أخرى.
طال انتظار الأسد ولم يعد القرد مرة أخرى كما توقع، ولما قنط توقف عن نصب الفخاخ وجلس متجهمًا وقطب حاجبيه يمعن التفكير في حيلة يستطيع بها الحصول على طعامه، فقد أخذ الجوع يؤلم معدته بشدة ولم يعد يطيق الصبر..
ولما هرب القرد منه ذهب إلى الثعلب وطلب منه الأمان، وقص عليه ما حدث من الأسد وعقب قائلاً: هل يرضيك يا ثعلب أن تصير الغابة بلا قرد يضفي عليها المرح والعبث مثلي، فأجابه الثعلب: كلا يا قرد لا يرضيني ذلك، ولكن لدي حيلة لك أخلصك بها من الأسد على أن تعمل معي شهراً كاملاً وتساعدني في اصطياد فرائسي.
فوافق القرد دون تفكير، فلم يعد يهمه الآن سوى أن ينجو من الأسد..
وعاد كلاهما إلى المكان الأول..
ووجدا الأسد يكاد يسقط مغشيًا عليه فوقف أمامه الثعلب بجرأة بالغة وقال له: 
يا ملك الغابة لقد جئت لك بذلك القرد الذي فر منك ولم تستطع أن تلحق به، ويا للعار الذي شعرت به حينما روى لي عن فشلك في اصطياده، وها هو قد جاء معي يلتمس منك العذر ويسلم لك رقبته خاشعًا طائعًا ولكن لم يبقى عليك سوى أمر واحد هو عندي أهم من كل ذلك..
قال الأسد: وما هو يا ثعلب؟!
قال الثعلب: إنه لو أكلت القرد يا ملك الغابة بتلك السهولة، وإذ قد علم جميع حيوانات الغابة بأمر فراره منك وعجزك عن اللحاق به نظرًا لأنك لا تستطيع القفز على الأشجار، فإنه سيظل العار في رقبتك إلى الأبد ولن تستطيع أن تغسله ولو قتلتنا جميع من بالغابة..
قال الأسد وقد اشتد حنقه: وكيف لي أن أغسل عاري أيها الثعلب؟!
قال الثعلب بأن تلحق بذلك القرد ولو طار في السماء، أو سار على الماء، وحتى لو غاص تحت البحر الميت فخير لك أن تغرق من أن يلحقك عار العجز عن اصطياد قرد ضعيف كهذا..
اشتد غضب الأسد وغيظه وأخذ يزأر في حدة وقال له : عندك كل الحق يا ثعلب، هيا أيها القرد أرني كيف ستهرب مني الآن؟!
وبدأت المطاردة..
وحسب اتفاق الثعلب معه فقد أخذ يعدو في طرق ملتوية ذات أشجار متشابكة كثيفة، وقد أصر الأسد على ملاحقته رغم صعوبة ووعورة تلك المنطقة في الغابة، وبدأ القرد يصعد على الأغصان ويقفز من شجرة إلى أخرى، ولما لم يستطع الأسد أن يقتنصه من على الأرض أخذ يقفز على الأشجار بدوره، ولكن لثقل حجمه وعظم خلقته أخذت الأغصان وأشواك الأشجار تطعن في جسده، ونزف دمه بغزارة، ولكنه تحامل على نفسه كثيراً دون جدوى، وأصر على استكمال المطاردة حتى لم يعد به ذرة مقاومة لآلام الجوع، والجروح التي نجمت عن محاولته للقفز على الأشجار حتى قضى نحبه وانقضى أجله..
عاد القرد إلى الثعلب وقال له: -هنيئًا لك أيها الثعلب- ذلك العقل الماكر الذي منحك الله إياه، ما أروع حيلك وأدهى أفكارك..
قال له الثعلب: إن سر الحيلة أيها القرد يكمن في فهمك للآخرين، فإن الأسد ملك متكبر.. عزيزة نفسه، فإذا أردت إهلاك الملوك فعليك بكبرهم، ففي الكبر مصارع الملوك..
أومأ القرد موافقًا: أجل أيها الثعلب.. إن الكبر يجعل صاحبه يتوهم القدرة المطلقة فإذا ما حاول أن يكلف نفسه ما لاطاقة له به.. عجز وخاب وخسر كل شيء.
وخلصت الحدوتة!!
Tags

إرسال تعليق

0تعليقات
* Please Don't Spam Here. All the Comments are Reviewed by Admin.

رأيك مهم لذا لا تبخل بترك تعليقك

رأيك مهم لذا لا تبخل بترك تعليقك

إرسال تعليق (0)

#buttons=(Accept !) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Learn More
Accept !
To Top