الصنم الغريق

0

امتطى القبطان المركب التي توشك أن تبحر وعلى متنها فريقه وكان الموج هادئاً والطقس معتدلاً ينبئ برحلة سعيدة وبها الكثير من الرزق والخير الوفير..
أبحروا وغردت أصواتهم بأغاني حماسية بألحان هبوب النسيم ورجيف البحر لتكتمل أجزاء السيمفونية الشهيرة التي طالما يعشق سماعها كل بحار.
ألقى صيادهم بشكبته في الماء عساه يجد في تلك المنطقة بعض الأسماك كمؤنة لهم في تلك الرحلة الطويلة، وعلى غير العادة ثقلت الشبكة سريعاً، ويبدو أنها قد جلبت صيداً ثميناً..
وثقيلاً..
أخذوا يشدون الشبكة في قوة وحماس ويدندون بكلماتهم الحماسية حتى بدا لهم الصيد الذي أثقلها وكاد ينوء بعصبتهم ويهوى بهم في البحر..
وما إن بدا لهم صيدهم حتى تراخت عضلاتهم جميعاً وزاغت أبصارهم وكاد الصيد يعود إلى أعماق البحر تارة أخرى..
ولكن ما إن شد أحدهم من أزرهم وصاح فيهم:
أكملوا يا قوم ولنلتقط ذلك الصيد فإنه أثمن مما نتصور..
وصاح آخر معترضاً: 
ويحك يا رجل إننا لو رفعناه على متن مركبنا لغرقت بنا ونقبر في البحر جميعا..
فرد عليه الأول: 
حاشا وكلا.. إن هذا الصيد لو كلفني حياتي لقدمتها عن طيب خاطر دون تردد أو تفكير..
توجه المعترض إلى القوم وأخذ يصيح بهم محذراً: 
يا قوم ما لكم تصمتون تكلموا وشدوا على أيدي هذا الرجل الذي سيضيعنا بطمعه وكفوا عن شد الشبكة فإن ما بها فيه هلاكنا..
وأخذ ينظر بعضهم إلى بعض وتتصارع كوامن نفوسهم وظواهرها فكل منهم بداخله روح المغامرة التي طالما اكتسبوها عبر رحلاتهم إلى بلاد الشرق والغرب، فلم يعد يقلقهم شيء، فقد عاينوا من أهوال البحر ما هو كفيل بنزع رهبة الموت من صدورهم وأكسبهم حب المجازفة مهما كانت المخاطر..
واجتمعت كلمتهم على استكمال شد الشبكة..
والظفر بالصيد الثمين..
ولو كلفهم ذلك أعمارهم..
فالأعمار بيد الله..
وحتى حانت لحظة معاينة الصيد عن كثب..
فها هو الآن ماثل أمامهم على متن السفينة..
يبدو أنه تمثال يحمل ملامح غريبة لم تعهدها البشرية من قبل..
كأنه إحدى تماثيل حضارة أطلنتس الغامضة..
أو حضارة أخرى لم يسمع بها العالم من قبل..
ترى كم يبلغ ثمنه؟!
وهل سيمكنهم بيعه؟!
 أم سوف تستبد بهم إحدى الحكومات وتسرقه منهم عنوة دون مقابل..
ولكن سرعان ما جاءتهم الإجابة تحمل لعنة الموت..
وناء التمثال بالسفينة..
فغرقت..
وغرقوا جميعاً..
حتى صوتهم الناصح الذي أنذرهم ..
غرق معهم..
وعاد التمثال إلى القاع مرة أخرى..
وبجواره حطام المركب.. 
وجثث البحارة..
هل تريد أن تدرك مغزى القصة..
الدنيا كالبحر..
وعمرك كالمركب..
والمتاع كالتمثال..
لا تثقل نفسك بمتاع الدنيا..
فهي كأمواج البحر..
لا أمان لها..
ولا قرار..
فخذ ما يكفيك..
ودع عنك الطمع..
فإن فيه فناء ما تجمع..
Tags

إرسال تعليق

0تعليقات
* Please Don't Spam Here. All the Comments are Reviewed by Admin.

رأيك مهم لذا لا تبخل بترك تعليقك

رأيك مهم لذا لا تبخل بترك تعليقك

إرسال تعليق (0)

#buttons=(Accept !) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Learn More
Accept !
To Top