الذين آمنوا وكانوا يتقون

0

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين .. ولي المؤمنين المتقين.. يصلي وملائكته على نبيه .. ولا يزال الذين آمنوا بصلواته مصلين ومسلمين.. وعلى آله وصحبه رحمة الله ورضوانه وبركاته عليهم أجمعين .. الإيمان هو ذلك السر العظيم الذي به تفتح بركات السماء والأرض وأقوى ضمان لخير الدنيا ونعيم الآخرة، ومفتاح دار السلام والسعادة الأبدية، فهو نبع الصبر للمؤمنين في دار الابتلاء، وطاقة النصر لهم، وقوة الروح والجسد، ولذة الشكر في الرخاء، والحمد والثناء لمن بيده الخلق والأمر، لا إله إلا هو إليه المصير.. والإيمان في حقيقته معنى كبير يتمثل في تلقي المؤمنين لقوة إلهية لأرواحهم حتى تحيا في أجسادهم آمنة مطمئنة مستأنسة بقيم علوية نورانية ومبادئ جوهرية فلا وحشة ولا قنوط ولا حياة بائسة تعيسة ولا انتحار ولا تشاؤم ولا ذل ولا ظلم وطغيان، فكل ظواهر الحياة التعيسة لا تأتي إلا من غياب ذلك السر العظيم وسط غرور الحياة ومتاعها الزائف والذي ينتهي بكل من جمعه لنهاية حتمية وهي الملل والموت الاختياري، فكم من منعّم في حياته قد اختار لنفسه نهاية الانتحار وإهلاك الأنفس بالمتع الزائفة التي تؤدي إلى تدهور صحة الإنسان وهلاكه مما هو ملموس في واقع البشرية لمن تأمل.. ومن المؤسف أن البعض يختزل حقيقة الإيمان لمجرد أن هواه الذي يعبده سول له ذلك، فمنهم من يظن أن الإيمان بوجود الله وأنه رب كل شيء ومالكه ورازقه وحب الله هو المعنى الحقيقي للإيمان رغم أنه لو تأملنا حقيقة إيمان المشركين والكافرين في كل زمان ومكان أن أكثرهم لم ينكر ولم يجحد حقيقة وجود الرب الخالق الرزاق الذي يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء، ولكنهم جحدوا الإيمان في حقيقته الكلية الشاملة بأركانه المترابطة، فمنهم من كفر بأحد أركانه أو جحد أكثر من ركن.. ولقد أوضح نبينا محمد صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين حقيقة الإسلام الشاملة أوضح بيان، حيث أن أركانه التي يقوم عليها قد جاءت في حديث ابن عمر المشهور قال:((بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان)) شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله حيث أن نفي المعبودات وإفراد الله بالعبودية بلا شريك تقتضي اتباع ما جاء به نبيه ورسوله محمد من شرع وسنة من أعرض عنها فليس من الإسلام في شيء، ومن استهان بشيء منها يكفر ومن استهزأ بشيء منها يكفر، فلا تحريف للكلم عن مواضعه، ولا ابتداع، ومن أشرك بالله شيئا في عبادته ولم يعبده بشرعة فليس من الإسلام في شيء كما في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (البقرة – 208) وقد جاء عن الرسول صلى الله وسلم في الحديث الذي رواه حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة عن رجل من أهل الشام عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال له:((أسلم تسلم. قال: وما الإسلام؟ قال: أن تسلم قلبك لله وأن يسلم المسلمون من لسانك ويدك. قال: فأي الإسلام أفضل؟ قال: الإيمان. قال: وما الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وبالبعث بعد الموت. قال: فأي الإيمان أفضل؟ قال: الهجرة. قال: وما الهجرة؟ قال: أن تهجر السوء. قال: فأي الهجرة أفضل؟ قال: الجهاد. قال: وما الجهاد؟ قال: أن تجاهد أو تقاتل الكفار إذا لقيتهم ولا تغلل ولا تجبن. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عملان هما أفضل الأعمال إلا من عمل بمثلهما - قالها ثلاثا - حجة مبرورة أو عمرة)) فيتبين لنا من جماع ما تقدم أن الإسلام هو دين الله الذي لا يقبل سواه وله أركان من شأن المحافظة عليها وإقامتها كما أمر الله عز وجل أن يرتقي العبد المؤمن إلى درجة الإيمان ولإيضاح معنى الإيمان وفوائده يجب أن نعرض لتعريف الإيمان وماهيته.. فالإيمان هو قول باللسان وتصديق بالجنان أي العقول وعمل بالجوارح ويشمل ذلك جميع أركانه (الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقضاء والقدر) على تفصيل نفرد له صفحات أخرى.. فقد جاء في الأثر عن الحسن البصري أنه قال: ليس الإيمان بالتمنِّي، ولكن ما وقَر في القلب وصدّقه العمل، وإن قومًا خرجوا من الدُّنيا ولا عمل لهم وقالوا: نحن نحسن الظَّنَّ بالله وكَذَبُوا، لو أحسنوا الظَّنّ لأحسنوا العمل. ولنأتي على ذكر الإيمان والتقوى، وأي علاقة تلك التي تجعل المؤمن يتقي وماذا يتقي؟؟ .. وكيف يتقي؟؟ واعلم زادك الله إيماناً أن التقوى مع الإيمان هو مفتاح بركات السماء والأرض كما قال الله سبحانه: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (الأعراف – 96). وقال الله عز وجل " أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّـهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ" ( يونس 62 - 63 ) وعند تلك الآية يجب أن نتوقف ونتأملها طويلا حيث أن فيها مغزى رسالتنا.. وفي إشارة سريعة لمعنى التقوى، من وقى ووقاية، فأنت - هدانا الله وإياكم لصراطه المستقيم- تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية بالتزام طاعته فيما أمر واجتناب ما نهى عنه وزجر.. إذن ففي تلك الآية مسائل لا حصر لها لمن تدبر حق التدبر، ووفقه الله لفتح أقفال قلبه، ففيها نفي الخوف والحزن عن أولياء الله، وبيان أهم خصلتان تجتمع في الذين يتولاهم الله وهما الإيمان والتقوى.. فالإيمان يشتمل على أركان لكل ركن منها تفصيل، لكن الذي يعنينا هنا إيضاح ذلك بإيجاز وهو أن المتقين هم الصنف الفائز السعيد في الدنيا والآخرة كما بشر بذلك القرآن في العديد من آياته عكس الصنفين الآخرين وهم المنافقين والكفار كما جاء في قول الله تعالى في سورة البقرة:[الم(1)ذَٰلكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2)الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ(3)وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4)أُولَٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(5)] وفيها ما فيها من دلالة أهم أركان الإيمان التي تجعل الإنسان يتقي ما غاب عنه متيقناً منه وذلك لأنه تأيد بكلام الرسل وما جاءوا به من كتب من قبل النبي محمد صلى الله عليه وسلم من أنباء الغيب وفي ذلك ركن هام جدا وعام يمكن أن يحتوي على جميع أركان الإيمان الأخرى وهو الإيمان بالكتب المنزلة التوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم والقرآن وما احتوته من أركان الإيمان الأخرى والأمر بعبادة الله وحده لا شريك له بشرائع منزلة أرسل الرسل عليهم السلام لإبلاغها إلى أقوامهم مؤيدين بالمعجزات مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة، وفيها أيضاً أهم ركنين من أركان الإسلام الصلاة والزكاة وما في ذلك من إصلاح النفس فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر وتطهر الجسد والروح، والزكاة تطهر النعم لتزداد ولا تزول، وتذكر المؤمن بحق الله عليه وأن نعم الله عليه بمثابة ابتلاء له يجب شكرها وذلك ببذلها للمحتاج وما في ذلك من زيادة النعم والبركة واتقاء حسد النفوس والبغضاء، وللباذل المعطي تقيه شح نفسه وأنانيته، وما في الصلاة والزكاة للمجتمع من تأليف القلوب واتحاد النوايا واصطفاف الأجساد متعبدين لله تعالى متساويين يقف الغني جوار الفقير، والكبير بجانب الصغير، ونشر روح المودة والحب والعطاء وكل ذلك ابتغاء مرضات الله واتقاء غضبه وما يترتب على ذلك من خلود في نعيم الجنان، أو مكوث في عذاب النيران، والذي هو مصير الناس في اليوم الآخر وهو يوم القيامة وقد جاءت الآيات أيضاً موضحة ذلك اليقين بمجيء ذلك اليوم ليتقي الناس أهواله حيث قال تعالى "وبالآخرة هم يوقنون" ففيه ما فيه من زجر الأنفس عن الطغيان، وكل ذلك يؤدي إلى الهدى والفلاح.. وحيث أنه من جماع ما تقدم وبالبناء عليه يتبين لنا كيف أن قوة الإيمان تعمل كوقود للنفس المؤمنة وطاقة محركة للقلب تجعله يميل إلى كل خير يبتغي بذلك رضوان الله ويخشى عذابه وذلك هو معنى التقوى.. ولولا أننا نوجز بقدر المستطاع لطال الحديث بنا عن الإيمان والتقوى، وحول آثارهما العظيمة في الفرد والأسرة والمجتمع، والله من وراء القصد وهو حسبي ونعم الوكيل.. والحمد لله أولاً وآخراً، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.. ***




إرسال تعليق

0تعليقات
* Please Don't Spam Here. All the Comments are Reviewed by Admin.

رأيك مهم لذا لا تبخل بترك تعليقك

رأيك مهم لذا لا تبخل بترك تعليقك

إرسال تعليق (0)

#buttons=(Accept !) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Learn More
Accept !
To Top