بين الماضي والحاضر

0





بسم الله الرحمن الرحيم

بين الماضي والحاضر بداخلنا بصمة اسمها الذكرى..

لعله لا يخفى على أحد منا ما يعلق بداخله من ذكريات تستوطن أعماق النفس، يتحرك الوجدان لفوره كلما اشتم عطرًا أو سمع صوتًا أو رأى شيئًا يوقظ تلك الذكرى مرة أخرى بعد سباتها في أعماق النفس.

وتتفاوت قرون الاستشعار لدى كل إنسان من حيث حساسيتها تجاه الذكريات، فهناك من تحلو له ذكرياته، وهناك من تسوءه، إلا أن في الحالات الأعم تظل الذكريات حلوة كانت أم سيئة بداخل كل نفس لها أهميتها إما من حيث مكانة بعض أبطالها، أو قوة أحداثها..

ولدى كل إنسان منا أساليبه في التعامل مع ذكرياته..

فهناك من يستخدمها كأسلوب للهروب من الحاضر الذي لا يرضيه، وهناك من يتذكرها بدافع وجداني للحنين إلى الماضي لأسباب تختلف منش خص لآخر إلا أنه لا يستطيع أحد أن ينكر دور الذكريات في حياتنا، فمن الناس من يجعلها وقودا لإضفاء قوة الارتباط بالماضي في الحاضر، والمزج بينهما، ومنهم من يجعلها نارًا تحرق حاضره فيعيش كارها لحياته، كارها لكل أبطال ذكرياته، ولنفسه أيضًا، فالماضي إما يدفع للأمام، وإما يشد للخلف..

يتناول كل إنسان ذكرياته بكيفية مختلفة، سواء يكرهها أم يحبها، أو يتجاهلها، فلكل حالة من الحالات صداها لدى الإنسان..

من البديهي أن كلنا يدرك آثار كره الماضي والذكريات السيئة على وجدان الإنسان..

كما ندرك أيضًا آثار حب الماضي والذكريات الحلوة على وجدان صاحبها..

لكن الذي يتناسى ذكرياته ويتجاهلها كيف حاله؟!

يبدو أن الذي بلا ماضي، يكون حاضره كالسراب، إذ يعتبر الماضي بذكرياته بمثابة المرجع الأصلي للإنسان، فبدونه يفقد الإنسان أصالته فيعيش كالضال المشتت، كما يقال في القول المأثور "من فات قديمه تاه"..

تحيا الذكريات في أعماقنا تحمل مشاعر الحب والانتماء للذين رحلوا عنا، ومشاعر كل لحظة مرت بنا حلوها ومرها، تحمل أصوات الهدوء والصخب، والأمان وراحة البال، يمكن أن تعني لمن يحب ذكرياته الحياة الحقيقية، كأن الحاضر حياة زائفة متسارعة لا معنى لها..

بينما هناك آخرين يحملون ذكريات سيئة تهز الوجدان كالزلزال كأنها الموت يسري في أوصال الحي فيجعل حياته لا معنى لها، تحمل بداخلها البغض والصراعات..

تعتبر الذكريات أحد المفاتيح الرئيسية للولوج إلى النفس البشرية حيث هي التفسير والمرجع لكل صراع بداخلها وكل ما تحمل من قيم ومبادئ بناءة او هدامة..

إذا أردت أن تدرك خبايا شخص وما ينطوي عليه ضميره، فاسمع لذكرياته..

إذا أردت أن ترد كل شيء لأصله فاسمع صدى الذكريات..

التناقضات والصراعات والاضطرابات النفسية، هي ذكريات تشابكت بداخل الأعماق فاضطربت النفس وشقت الروح..


Tags

إرسال تعليق

0تعليقات
* Please Don't Spam Here. All the Comments are Reviewed by Admin.

رأيك مهم لذا لا تبخل بترك تعليقك

رأيك مهم لذا لا تبخل بترك تعليقك

إرسال تعليق (0)

#buttons=(Accept !) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Learn More
Accept !
To Top