في حياتنا كثيرا ما نستخدم أساليب اليهود دون أن ندري، وكلنا نعرف النعرة اليهودية الشهيرة التي دائما نسمعها عنهم وهي مقولتهم بأنهم “شعب الله المختار”، وكل من يعاديهم ولا يتبع ديانتهم فيطلقون عليه “جويم”، أو”الأميين” أو “الأمميين”، وعليه فتنقسم البشرية جمعاء إلى طبقتين، طبقة اليهود وهم العلماء والحكماء والقادة والزعماء وهم شعب الله المختار، وطبقة غير اليهود وهم العبيد والكفرة والفجرة والإرهاب، والبهائم والأنعام، والكثير الكثير من الصفات التي يتنابذ بها اليهود لمن هم على غير دينهم..
وعليه فإن أحكامهم باستحلال القتل وانتهاك الأموال والأعراض تظل قائمة على كل من لم يدين بالديانة اليهودية، وينتسب إلى سلالة أخرى غير السامية..
ولكن بغض النظر عن النعرة اليهودية هذه والابتعاد قليلاً عن سيرتهم التعسة، فإننا نود أن نصارح أنفسنا بأننا نعاني في مجتمعنا المصري بصفة خاصة من تلك النعرة الذميمة اللعينة التي استشرت في كلامنا وأحاديثنا وأفعالنا كالنار في الهشيم..
نعرة التقديس..
ترى كثيراً من الناس دائماً في مواقف حياتهم اليومية عندما يرغبون بإقناعك بشيء معين، تجدهم يلجأون لتلك النعرة، ونلمس ذلك على كل الأصعدة،
تجد في السياسة تقديس للأشخاص أو للمذاهب أو للدساتير، أو للأحزاب، وغيره..
وفي الدين.. تجد جماعة تنعت تنتسب للدين تقدس نفسها على باقي الجماعات وعلى باقي المذاهب، بل وقد يذهب بها الشيطان كل مذهب وتلقي بسهام التكفير والردة على كل من خالفها..
وفي الاقتصاد، تقديس للنظام الرأسمالي مثلاً، أو للنظام الاشتراكي.. إلخ، وكأنه دين أنزل من السماء وفرض على جميع أهل الأرض اتباعه..
وعلى صعيد الرياضة، تقديس نادي الأهلي، الزمالك، الإسماعيلي.. إلخ ونجوم الكرة، والمدربين والجهاز الفني والمعلقين، وغيره وكأن الفريق الفلاني او اللاعب الفلاني جيش غزا العالم وفتحه ورفع راية التوحيد ترفرف وبيده مستقبل الشعوب والأوطان..
أما على صعيد الفن، فحدث ولا حرج عن تقديس النجم الفلاني والفنان العلاني، فلا يجوز لك أن تنتقد جيل الفن الجميل لأنهم مقدسين وأصوات من الجنة، ولا تغتاب ذلك المطرب، ومن العار أن لا تتبع رأي النجم اللامع في دين أو دنيا وتنتقد رأيه، لأن رأيه توفيق من الله وإلهام..
كما تجد ذلك في المغنى، والأدب، والصحافة، وكل المجالات، فحيلة التقديس مستشرية ومشتعلة في عقول وقلوب الجماهير بمختلف أجيالها، وأجناسها، وبغض النظر عن ماهية التقديس، وأنه ليس تقديس عبادة، ولكن تظل النعرة داء تجعل كل واحد فينا قد يرفع السلاح على أخيه ولا يتورع عن قتله من أجل شيء تافه سواء شخص أو مبدأ أو أي شيء يجعل ذلك الشخص يشعر بانتماء وعصبية جاهلية ليه..
فإذا وقفنا جميعاً مع أنفسنا وقفة ونبشنا جميع مواقفنا الحياتية سنجد في كثير من جدالاتنا تلك النعرة العمياء.. نعرة التقديس تطغى على عقولنا فتوقفها عن التفكير والنقد البناء وتحولها إلى عقول بهيمية تنساق كالقطيع وتنقاد خلف كل ناعق فتتحول إلى قطعان همجية غير مسئولة عن تصرفاتها، كما هو جلي في واقعنا الآن..
بسبب نعرة التقديس..
ظاهرة خطيرة يجب أن ننتبه إليها على اختلاف مناهجنا ومشاربنا وانتماءاتنا، لا تقدس أحداً ولا شيء، إلا القدوس عز وجل ودينه الإسلام وأنبياؤه الذين بلغوا وصحابة أنبياؤه وحوارييهم فهم أولى بالتقديس في غير عبادة إلا لله الواحد الصمد، فتقديسه دأب الملائكة وكل ما خلقه بيديه، وما سواه فلا يقدس لأن كل مخلوق ليست له عصمة من نقصان، وليس المخلوق بشبيه الخالق أبداً، فالخالق هو الكمال في حقيقته ووجوديته وصمديته وقيوميته، أما المخلوق فالنقص هو صفته الأساسية والأبدية لطالما وجدت على الأرض حياة..
فليدع كل واحد منكم يا قوم نعرة التقديس الكاذبة الخاطئة والتي تجعل من الإنسان الذي كرمه الله بالعقل والتفكير مجرد آلة أو بهيمة منساقة ومنقادة خلف الشيء المقدس ظلماً وعدواناً فتختل موازين الحياة ويضيع الهدف الأسمى الذي خلق الله الإنس والجن لأجله..
ألا وهو العبادة..
حتى أن الله سبحانه وتعالى عندما جعل الخيرية لأمة الإسلام فهو لم يجعل الخيرية لجنس معين أو شعب معين أو طائفة معينة من الناس، بل جعلها لكل فرد انضم للأمة الإسلامية بغض النظر عن لونه أو وطنه أو لغته أو اسمه، لطالما كان آمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر، وقد تجد أن أمة الإسلام عبارة عن شخص واحد، كما قال الله “إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين”وكما قيل “أنت الجماعة ولو كنت وحدك”، لأن الفرد قد يقوم مقام الأمة في زمن من الأزمنة التي يسود فيها الكفر والظلم ويبلغ أوجه وذروته..
فالخيرية ليست مطلقة لشعب معين أو جيش معين، وليست هي للمشاهير والمنعوتين بالنجومية ظلماً وزوراً، إنما الخيرية عند الله عز وجل وجميع مقامات العبودية كمقام العبد ومقام الشهادة ومقام التقوى ومقام المحسنين وما فضل الله بعض الناس على بعض، وبعض الأنبياء على بعض، وبعض الأماكن عن بعض، ليس ذلك إلا حكم الله يحكم به، وليس للبشر منه شيء..
فلا غرو أن ننكر جميع مقامات الخيرية والنعرات التقديسية التي يطلقها الناس بهتاناً وزوراً، وكما قيل إن الله ينصر الدولة العادلة ولو كانت كافرة، ويهلك الدولة الظالمة ولو كانت مسلمة..
فدعوا عنكم نعرة التقديس فإنها منتنة.. مهلكة.. تزرع الوحشة بين الناس والعداوة والبغضاء، وذروا حكم التفضيل لله ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض، ولا تحاسدوا ولا تباغضوا وكونوا عباد الله إخواناً..
والسلام،،،

