أسير البحر

0


جلس متأملاً فوق صخرة من صخور شاطئ بحر الإسكندرية بعينين دامعتين لم يستطع تجفيفهما خشية أن يتساءل الناس عن سر حزنه..

ليراه الناس..

لماذا لا زال يبالي بهم فهم لم يكفوا يوماَ عن هجره ونبذه وتهميشه والسخرية منه وإيذاؤه دون ذنب؟!!

ليراه الناس يبكي من قسوة هي أشد من الصخرة الصماء الجامدة الجالس فوقها والبحر الحنون الذي راح يشاركه بكاؤه..

يا لسحر ذلك البحر..

أهو يابس يحمل فوقه دموع البشر وتتغذى مخلوقاته على حطام آلامهم فتخرج ميتة أحل الله لنا أكلها؟!

أم هو بكاء الأرض التي حزنت على ذلك أبانا آدم الذي أغواه الشيطان بالخلد فهبط من جنة الخلد إلى أرض الفناء؟!

يا لذلك البحر ما سره؟!

وما أمره؟!

عدو أم صديق؟!

مفارق أم رفيق؟!

وفاؤه أكثر أم غدره؟!

كم حوى من غريق؟!

وكم احتوى من طريد؟!

وجئت له كي يحتويني..

كي يروي ظمأ شديد أصابني..

كي يربت على قلبي ويداعب برقة ماؤه دموعي..

يأخذها بين أحضان قطرات مياهه ويجفف عيوني..

وكأنه الساقي الظمآن..

يروي ولا يرتوي..

ما سرك أيها البحر؟!

وما سري؟!

وما سر الإنسان؟!

ما بالهم وما بال قلوبهم؟!

أقلوبهم لها أمواج كالبحر؟!

تارة تحملنا إلى شواطئ الأمان..

وتارة تغرقنا حتى القاع..

وتنافس الأرض في دفننا..

فقد خلقنا من تراب..

ومن ماء..

فتارة يأكلنا التراب..

وتارة يشربنا الماء..

وتلك هي الأقدار..

ماذا دهاني..

أيتفلسف كل مجنون..

أم يجن كل متفلسف..

أهي الحكمة نورها يسطع في عقلي ويطمأن قلبي المذعور؟!

أم الحكمة هي التي تصطفي من البشر بعض المنبوذين؟!

أنبذوني لأنني حكيم؟!

أم الحكمة هي جزاء النبذ والإقصاء؟!

كيف ينطق عقلي بكل ذلك الكلام ؟!

وعندما ينطق لساني يضحكون مني ويسخرون..

غريب أمرك أيها الإنسان..

هل أنا إنسان مثلهم؟!

وهل هم يحملون رتبة الإنسانية؟!

قصتي أضحكتهم..

وأبكتني..

وقد تضحكون منها..

وتبكون شفقة على أمثالي..

ولكم القرار فأنتم أحرار البر..

وأنا أسير البحر..

وإذا كان البر أمان..

والبحر غدار..

فهو لم ولن يغدر..

بمن غدره البر..

وأهل البر..

***


Tags

إرسال تعليق

0تعليقات
* Please Don't Spam Here. All the Comments are Reviewed by Admin.

رأيك مهم لذا لا تبخل بترك تعليقك

رأيك مهم لذا لا تبخل بترك تعليقك

إرسال تعليق (0)

#buttons=(Accept !) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Learn More
Accept !
To Top